كتب _دكتور اشرف المهندس
الحقيقة أن الملك فاروق لم يكن مكروهاً من الشعب المصري، و خاصةً في السبع سنين الأولي من حكمه، بل علي العكس كان ذا شعبية عريضة لم ينلها ملك قبله.
في السبع سنين الأولي من حكمه، سعي الملك فاروق لتنمية شعبيته لدي الناس بشتي الطرق و ساعده في ذلك رئيس ديوانه أحمد حسنين.
فتقرب إلي العمال و الفلاحين و الطلبة و قرب إليه حزب الفتاة و أحزاب المعارضة الأخري و الإخوان المسلمين، و في الوقت نفسه تقرب إلي مسيحيي مصر و ضباط الجيش و خاصةً الرتب الصغيرة. و كان غرضه الأساسي في كل ذلك هو زيادة شعبيته و زعامته في الشارع المصري و سحب البساط من تحت الوفد و تدمير قاعدته الشعبية.
و الحقيقة أنه نجح في إحراز شعبية كبيرة في مصر لم ينلها أي من حكام أسرة محمد علي من قبل. فاتجه بعد ذلك للزعامة خارج مصر، فسار في اتجاه زعامة العالم الإسلامي ليكون خليفة المسلمين و عاونه في ذلك الشيخ المراغي شيخ الأزهر. كما سعي لتحقيق زعامة مصر للدول العربية. و لكن سعيه كان دائماً دعائياً يصلح كعناوين للصحف و يثير عواطف الشارع المصري العاطفي بطبعه، و لكنه في الحقيقة لا يغير شيء من الواقع.
كما كان دائماً يتسم بالمشاغبة تجاه الإنجليز و سلطتهم في مصر المتمثلة في دار المندوب السامي البريطاني. هذه المشاغبة اكسبته حب المصريين، و لكنها كانت لا تعدو أكثر من حركات طفولية لم تترجم إلي أفعال حقيقية لتحقيق استقلال مصر الكامل عن بريطانيا.
و نسوق هذا المثال للتوضيح : عندما ألقي سير مايلز لامبسون كلمته في احتفالات تولي فاروق سلطاته الدستورية، رد عليه الملك باللغة الفرنسية علي الرغم من إجادته للإنجليزية ، مما اغضب المسئولين البريطانيين و أسعد المصريين. و منها ما هو طريف عندما أخرج الملك فاروق لسانه للسفير البريطاني و لمن معه في أثناء حفل نادي الضباط الذي حضره ولي عهد اليونان.
و لكن بريطانيا كانت قلقة من ازدياد شعبية فاروق خاصةً داخل الجبش، و إعلانه الدائم عن انتمائه للمحور ضد الحلفاء أثناء الحرب العالمية الثانية، و يعدد لامبسون مساوئ فاروق فيصفه بأنه مغرور و ليس علي استعداد لأن يتصور أن مخاطبه ربما يعرف أكثر منه في موضوع المناقشة، و أنه صلب الرأي، و جاهل، و منقاد لمستشاريه. و يعرض لامبسون طرق استمالة فاروق و منها توجيه الدعوة له لزيارة بريطانيا و منحه وساماً عالياً. و من ذلك يمكن أن ندرك أن أدوات التأثير علي فاروق كانت مرتبطة دائماً بكيفية تلميع صورته و إرضاء كبريائه و إحساسه الطاغي بنفسه و رغبته في زيادة شعبيته.
و لكن في كل الأحوال فإن فاروق الذي اتسم بالزعامة و حقق شعبية كبيرة لدي المصريين في النصف الأول من فترة حكمه و اعتاد علي مشاغبة الإنجليز و مضايقة وزرائه و عدائه للوفد، كل هذا كان يمثل الوجه الأول لفاروق، أما الوجه الثاني فقد ظهر بعد إقالته لوزارة النحاس عام 1944م وهو وجه مختلف تماماً أفقد فاروق شعبيته و جعل الشعب الذي رفعه إلي أعلي يهوي به إلي أسفل في نهاية درامية.
ازدادت عادات فاروق السيئة مثل ارتياد الملاهي الليلية و لعب القمار و المغامرات النسائية، و كل هذه العادات اكتسبها في فترات الشباب و كانت لها اسبابها في التربية الصارمة في فترة الصبا، و لكن هذه العادات استحوذت عليه في النصف الثاني من فترة حكمه، فبعد ان ساءت سمعته و تدهورت شعبيته بين الناس، ازداد هروبه لحياة الليل، فكان يقضي في لعب القمار أوقات كبيرة، فأهمل أعماله و ترك مصالح الأمة في يد حاشيته الفاسدة، كما عاني من السمنة نتيجة شراهته في الأكل و خاصة الشيكولاته و المأكولات البحرية.
كان فاروق يتمتع بالذكاء، و لكنه لم يكن صاحب رؤية، فاستغل ذكائه في صراع السلطة مع السفير البريطاني و زعيم حزب الأغلبية و أحزاب المعارضة. كما استخدم ذكائه في زيادة شعبيته بين الناس. و كان موفقاً إلي حد كبير في هذا في النصف الأول من حكمه . و لكن في النصف الثاني تغيرت الظروف، فالشعب كان يئن من ظروف اقتصادية سيئة نتيجة الحرب العالمية الثانية مما جعل المزاج العام غير متقبل للدعاية الفاروقية كما كان من قبل. مما أصاب فاروق بالاحباط و تحول إلي النقيض من حيث اللامبالاة و الغرور و الانانية المفرطة و كثرة الهروب لحياة الليل.
أما فيما يتعلق بمغامراته النسائية، فكانت إثباتاً للرجولة و تمرداً علي فريدة و هي الزوجة صاحبة الشخصية القوية التي اصطدمت مبكراً بتسلط فاروق و سطوته و هيمنة الأم نازلي فتحولت حياة القصر إلي منازلات نسائية بين الزوجة و الأم علي زعامة القصر النسائية.
و لكن يمكن أيضاً فهم مغامرات فاروق النسائية من منطلق رغبته الشديدة في استسلام الآخرين له و لسلطته، مارس ذلك مع رؤساء وزرائه و أيضاً مع النساء ، حتي وصلت إلي الرغبة في الاستيلاء علي ما عند الآخرين مثل النساء المتزوجات و المخطوبات، لذلك لم يكن استيلاء فاروق علي ناريمان، زوجته الثانية، من خطيبها ليتزوجها مستغرباً علي شخصيته التسلطية الأنانية التي لا تعبأ بالآخرين. و إن حاول الآخرون التشبث بما لديهم و عدم التنازل، ينقلب الأمر عند فاروق إلي ثأر شخصي و حقد و كره لهذا الآخر.
و من مظاهر هذا التسلط أن فاروقاً عندما طلق زوجته الأولي فريدة، حاول استصدار فتوي من الشيخ المراغي تحرم علي فريدة أن تتزوج رجلاً آخر أو أن تري بناتها. و لكن الشيخ المراغي رفض بشدة لمخالفة ذلك الشريعة الإسلامية.
كان فاروق يردد دائماً أن المكلية ستنتهي في العالم كله و لن يبقي من الملوك إلا خمسة، ملك بريطانيا و ملوك الكوتشينة الأربعة. هذا الاحساس الداخلي بعدم استمرار حكمه لمصر جعله يعمل علي جمع الأموال و الأملاك و تهريبها إلي الخارج في بنوك أجنبية تحت حسابات سرية و خاصة بعد سنة 1946 م عندما قام الطلبة بمظاهرات و داسوا صورته بالأقدام. لذلك عمل فاروق علي زيادة المخصصات الملكية، و دخل في صفقات مع الحكومة لصالحه فباع للحكومة يخت فخر البحار ثم احتفظ به، و أجبر الحكومة علي دفع تكاليف باهظة لإصلاح يخت المحروسة الخاص به ليتمتع به في رحلاته البحرية، و عمل علي زيادة مساحة أراضيه الزراعية بكل الوسائل المشروعة و غير المشروعة. و تفنن في اقتناء الهدايا و التحف الفريدة.
تزوج فاروق فريدة و أقيم حفل الزفاف في 20 يناير 1938، و تم الطلاق بينهما في 19 نوفمبر 1948 م بعد زواج استمر قرابة 11 سنة.
أنجب فاروق من زوجته الأولي فريدة أولاده البنات فريال (17 نوفمبر 1937) و فوزية (7 أبريل 1940) و فادية (16 ديسمبر 1943)، و انجب من زوجته الثانية ناريمان ابنه الوحيد أحمد فؤاد.